فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأعراف: آية 101]

{تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101)}.
{تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها} كقوله: {هذا بَعْلِي شَيْخًا} في أنه مبتدأ وخبر وحال ويجوز أن يكون {الْقُرى} صفة لتلك و{نَقُصُّ} خبرا، وأن يكون {الْقُرى} {نَقُصُّ} خبرا بعد خبر.
فإن قلت: ما معنى {تِلْكَ الْقُرى} حتى يكون كلاما مفيدا؟ قلت: هو مفيد، ولكن بشرط التقييد بالحال كما يفيد بشرط التقييد بالصفة في قولك: هو الرجل الكريم. فإن قلت: ما معنى الإخبار عن القرى بـ: {نقص عليك من أنبائها}؟ قلت: معناه أنّ تلك القرى المذكورة نقص عليك بعض أنبائها ولها أنباء غيرها لم نقصها عليك {فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا} عند مجيء الرسل بالبينات بما كذبوه من آيات اللّه من قبل مجيء الرسل أو فما كانوا ليؤمنوا إلى آخر أعمارهم بما كذبوا به أوّلا حين جاءتهم الرسل، أي استمروا على التكذيب من لدن مجيء الرسل إليهم إلى أن ماتوا مصرّين، لا يرعوون ولا تلين شكيمتهم في كفرهم وعنادهم مع تكرر المواعظ عليهم وتتابع الآيات. ومعنى اللام تأكيد النفي وأنّ الإيمان كان منافيًا لحالهم في التصميم على الكفر. وعن مجاهد: هو كقوله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ}. {كَذلِكَ} مثل ذلك الطبع الشديد نطبع {على قلوب الكافرين}.

.[سورة الأعراف: آية 102]

{وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102)}.
{وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} الضمير للناس على الإطلاق، أي وما وجدنا لأكثر الناس من عهد يعنى أنّ أكثرهم نقض عهد اللّه وميثاقه في الإيمان والتقوى {وَإِنْ وَجَدْنا} وإنّ الشأن والحديث وجدنا أكثرهم {فاسقين}، خارجين عن الطاعة مارقين. والآية اعتراض. ويجوز أن يرجع الضمير إلى الأمم المذكورين، وأنهم كانوا إذا عاهدوا اللّه في ضرّ ومخافة، لئن أنجيتنا لنؤمننّ، ثم نجاهم نكثوا كما قال قوم فرعون لموسى عليه السلام: {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ}، إلى قوله: {إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ} والوجود بمعنى العلم من قولك: وجدت زيدًا ذا الحفاظ، بدليل دخول إن المخففة واللام الفارقة. ولا يسوغ ذلك إلا في المبتدإ والخبر. والأفعال الداخلة عليهما. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)} إلى قوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)}.
التفسير: إنه سبحانه لما عرّفنا أحوال هؤلاء الأنبياء وما جرى على أممهم ذكر ما يدل على أن هذا الجنس من الهلاك قد فعله بغيرهم وليس مقصورًا عليهم، وبيّن العلة التي لأجلها فعل بهم ما فعل. والقرية مجتمع القوم فتشمل المدينة أيضًا وتقدير الكلام: وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء. قال الزجاج: البأساء الشدة في الأموال والضراء الأمراض في الأبدان. وقيل بالعكس {لعلهم يضرعون} أي يتضرعون فأدغم التاء في الضاد والمعنى: ليحطوا أردية التعزز والاستكبار ويتبعوا نبيهم. ثم بيّن أن تدبيره في أهل القرى لا يجري على نمط واحد فقال: {ثم بدلنا مكان السيئة} وهي كل ما يسوء صاحبه {الحسنة} وهي ما يستحسنه الطبع والعقل أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من الفقر والضر السعة والصحة {حتى عفوا} كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم من قولهم عفا النبات والشحم والوبر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «وأعفوا اللحى» {وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء} كما هو دأب الأشرين يقولون هذه عادة الدهر في أهله يوم محنة ويوم منحة. والمراد أنهم لم ينتفعوا بتدبير الله تعالى فيهم من رجاء بعد شدّة وأمن بعد خوف وراحة بعد عناء {فأخذناهم بغتة} آمن ما كانوا عليه ليكون ذلك أعظم من الحسرة {وهم لا يشعرون} بنزول العذاب. والحكمة في جميع هذه الحكايات اعتبار من سمعها ووعاها وتعريف أن العصيان سبب الحرمان عن الخيرات وسد لجميع أبواب السعادات ولهذا قال: {ولو أن أهل القرى} أي جنسها أو القرى المذكورة في قوله وما أرسلنا في قرية {آمنوا} بما يجب به الإيمان في باب المبدأ والمعاد {واتقوا} كل ما نهى الله عنه {لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} أي لأتيناهم بالخير من كل وجه أو أراد القطر والنبات.
والمراد بفتح البركات عليهم تيسير أسباب النجاح كقولهم: فتحت على القارئ إذا يسرت القراءة عليه بالتلقين {ولكن كذبوا الرسل فأخذناهم} بالجذب والمحل وهو ضد البركة والخير {بما كانوا يكسبون} أي بشؤم كسبهم وهو الكفر والمعاصي. ثم خوف المكلفين نزول العذاب عليهم في الوقت الذي يكونون فيه في غاية الغفلة وهو حال النوم بالليل وحال الضحى بالنهار، لأنه الوقت الذي يغلب على المرء في التشاغل باللذات والمهمات فقال: {أفأمن} قال في الكشاف: الهمزة للإنكار والفاء للعطف على قوله: {فأخذناهم بغتة} والآية بينهما اعتراض والتقدير: أبعد ذلك أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا، وأمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى؟ فلهذا عطف الثانية بالواو. وأما قوله: {أفأمنوا مكر الله} فتكرير لقوله: {أفأمن أهل القرى} فلهذا رجع فعطف بالفاء. قلت: يجوز أن يقدّر المعطوف عليه بعد الهمزة والمعنى: أفعلوا ما فعلوا فأمن وأما من قرأ {أو} ساكنة فمعناه إما أحد الشيئين ويرجع المعنى إلى قولنا فأمنوا إحدى هذه العقوبات، وإما للإضراب كما تقول: أنا أخرج ثم تقول أو أقيم. على أن المراد هو الإضراب عن الخروج وإثبات للإقامة أي لا بل أقيم. ومعنى {بياتًا} قد تقدم في أوّل السورة. و{ضحى} نصب على الظرف قال الجوهري: ضحوة النهار بعد طلوع الشمس ثم بعده الضحى وهو حين تشرق الشمس مقصورة، وتذكر على أنه مفرد كصرد وتؤنث على أنها جمع ضحوة. ثم بعده الضحاء ممدودًا مذكرًا وهو عند ارتفاع النهار الأعلى. في قوله: {وهم يلعبون} يحتمل التشاغل بما لا يجدي عليهم من أمور الدنيا فهي لهو ولعب، ويحتمل خوضهم في كفرهم لأن ذلك كاللعب في أنه يضر ولا ينفع. ومكر الله كما تقدم في آل عمران عذاب بعد الاستدراج أو سمي جزاء المكر مكرًا. وعن الربيع بن خثيم أن ابنته قالت له: ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ قال: يا بنتاه إن أباك يخاف البيات يعني المذكور في الآية. اللهم اجعلنا من الخائفين العاقلين لا من الآمنين الغافلين. ثم لما بيّن حال المهلكين مفصلًا ومحلًا ذكر أن الغرض من القصص حصول العبرة للباقين فقال: {أولم يهد} من قرأ بالياء ففاعله {أن لو نشاء} والمعنى: أو لم يهد الذين يخلفون أولئك المتقدمين فيرثون أرضهم وديارهم هذا الشأن وهو أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم أي بعقابها كما أصبنا من قبلهم. ومن قرأ بالنون فقوله: {أن لو نشاء} منصوب والهداية بمعنى التبيين على القراءتين ولهذا عُدّي فعلها باللام، والمفعول على القراءة الأولى محذوف والتقدير: أولم يكشف لهم الحال والشأن المذكور.
وأما قوله: {ونطبع على قلوبهم} فإما أن يكون منقطعًا عما قبله بمعنى ونحن نطبع كما مر في الوقوف، وإما أن يكون متصلًا بما قبله. قال الكشاف: وذلك هو يرثون أو ما دلّ عليه معنى {أولم يهد} كأنه قيل: يغفلون عن الهداية ونطبع. ثم قال: ولا يجوز أن يكون معطوفًا على {أصبناهم} و{طبعنا} لأن القوم كانوا مطبوعًا على قلوبهم فيجري مجرى تحصيل الحاصل ولقائل أن يقول: لا يلزم من المذكور وهو كونهم مذنبين أن يكونوا مطبوعين، فاقتراف الذنوب غير الطبع لأن يذنب أوّلًا أو يكفر ثم يستمر على ذلك فيصير مطبوعًا على قلبه. وأيضًا جاز أن يراد لو شئنا لزدنا في طبعهم أو لأدمناه والله سبحانه أعلم بمراده. ثم أخبر عن الأقوام المذكورين تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {تلك القرى} وهي مبتدأ وخبر. وقوله: {يقص} حال والعامل معنى اسم الإشارة، أو خبر بعد خبر، أو {القرى} صفة ل {تلك} و{نقص} خبر. وفائدة الإخبار على هذا التقدير ظاهرة. وأما على الأوّلين فترجع الفائدة إلى الحال أو الخبر الثاني كما ترجع إلى الصفة في قولك: هو الرجل الكريم. الحاصل أن تلك القرى المذكورة نقص عليك بعض أنبائها ولها أنباء غيرها لم نقصها عليك، وأيضًا خصصنا تلك القرى بقصص بعض أنبائها لأنهم اغتروا بطول الأمهال مع كثرة النعم وكانوا أقرب الأمم إلى العرب فذكرنا أحوالهم تنبيهًا على الاحتراز عن مثل أعمالهم. ثم عزى رسوله بقوله: {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا} من قبل اللام لتأكيد النفي وأن الإيمان كان منافيًا لحالهم. قال ابن عباس والسدي: فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا عند إرسال الرسل بسبب تكذيبهم يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم أقروا باللسان كرهًا وأضمروا التكذيب. وقال الزجاج: فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية المعجزات بما كذبوا به من قبل رؤية تلك المعجزات. وعن مجاهد فما كانوا ليؤمنوا لو أحييناهم بعد الإهلاك ورددناهم إلى دار التكليف بما كذبوا من قبل كقوله: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام: 28] وقيل: فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بما كذبوا من قبل مجيئهم. وقيل: ما كانوا ليؤمنوا في الزمان المستقبل بما كذبوا به في الزمان الماضي أي استمروا على التكذيب من لدن مجيء الرسل إلى أن ماتوا مصرين لم ينجع فيهم تكرير المواعظ وتتابع الآيات {كذلك} أي مثل ذلك الطبع الشديد {يطبع الله على قلوب الكافرين} الذي كتب أن لا يؤمنوا أبدًا. والطبع والختم والرين والكنان والغشاوة والصد والمنع واحد كما سلف. وقال الجبائي: هو أن يسم قلوب الكفار بسمات وعلامات تعرف الملائكة بها أن صاحبها لا يؤمن. وقال الكعبي: إنما أضاف الطبع إلى نفسه لأجل أن القوم إنما صاروا إلى ذلك الكفر عند أمره وامتحانه فهو كقوله تعالى: {فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا} [نوح: 6] ثم شرح حال المكلفين فقال: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} والضمير للناس على الإطلاق. قال ابن عباس: يعني بالعهد قوله للذر {ألست بربكم} [الأعراف: 172] أقروا به ثم خالفوا. عن ابن مسعود هو الإيمان كقوله: {إلا من اتخذ عند الرحمن عهد} [مريم: 87] يعني من قال لا إله إلا الله. وقيل: العهد عبارة عن الأدلة على التوحيد والنبوّة والمراد الوفاء بالعهد {وإن وجدنا} هي المخففة من الثقيلة بدليل اللام الفارقة في قوله: {لفاسقين} وقد عملت في ضمير شأن مقدر والتقدير: وإن الشأن والحديث علمنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والآية اعتراض. ويحتمل أن يعود الضمير على الأمم المذكورين كانوا إذا عاهدوا الله في ضرر ومخافة لئن أنجيتنا لنؤمنن نكثوه بعد كشف الضر. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَمَا أَرْسَلْنَا في قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأساء والضراء}.
بالبؤس والضر. {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} حتى يتضرعوا ويتذللوا.
{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة} أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والشدة السلامة والسعة ابتلاء لهم بالأمرين. {حتى عَفَواْ} كثروا عَدَدًا وعُدَدًا يقال عفا النبات إذا كثر ومنه إعفاء اللحى. {وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءابَاءنَا الضراء والسراء} كفرانًا لنعمة الله ونسيانًا لذكره واعتقادًا بأنه من عادة الدهر يعاقب في الناس بين الضراء والسراء وقد مس آباءنا منه مثل ما مسنا. {فأخذناهم بَغْتَةً} فجأة. {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بنزول العذاب.
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى} يعني القرى المدلول عليها بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا في قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ} وقيل مكة وما حولها. {آمَنُوا وَاتَّقَوا} مكان كفرهم وعصيانهم. {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات مّنَ السماء والأرض} لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب وقيل المراد المطر والنبات. وقرأ ابن عامر {لَفَتَّحْنَّا} بالتشديد. {ولكن كَذَّبُواْ} الرسل. {فأخذناهم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من الكفر والمعاصي.
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى} عطف على قوله: {فأخذناهم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} وما بينهما اعتراض والمعنى: أبعد ذلك أمن أهل القرى. {أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بياتا} تبييتًا أو وقت بيات أو مبيتًا أو مبيتين، وهو في الأصل مصدر بمعنى البيتوتة ويجيء بمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم. {وَهُمْ نَائِمُونَ} حال من ضميرهم البارز أو المستتر في بياتًا.
{أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى} وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر أو بالسكون على الترديد. {أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى} ضحوة النهار، وهو في الأصل ضوء الشمس إذا ارتفعت: {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يلهون من فرط الغفلة، أو يشتغلون بما لا ينفعهم.
{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله} تكرير لقوله: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى} و{مَكْرَ الله} استعارة لاستدراج العبد وأخذه من حيث لا يحتسب. {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون} الذين خسروا بالكفر وترك النظر والاعتبار.
{أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض مِن بَعْدِ أَهْلِهَا} أي يخلفون من خلا قبلهم ويرثون ديارهم، وإنما عدي يهد باللام لأنه بمعنى يبين. {أَن لَّوْ نَشَاء أصبناهم بِذُنُوبِهِمْ} أن الشأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم، وهو فاعل يهد ومن قرأه بالنون جعله مفعولًا. {وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ} عطف على ما دل عليه، أو لم يهد أي يغفلون عن الهداية أو منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع، ولا يجوز عطفه على أصبناهم على أنه بمعنى وطبعنا لأنه في سياقه جواب لولا فضائه إلى نفي الطبع عنهم {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} سماع تفهم واعتبار.
{تِلْكَ القرى} يعني قرى الأمم المار ذكرهم. {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا} حال إن جعل {القرى} خبرًا وتكون إفادته بالتقييد بها، وخبر إن جعلت صفة ويجوز أن يكونا خبرين و{مِنْ} للتبعيض أي نقص بعض أنبائها، ولها أنباء غيرها لا نقصها. {وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزات. {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} عند مجيئهم بها. {بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} بما كذبوه من قبل الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب، أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به أولًا حين جاءتهم الرسل، ولم تؤثر فيهم قط دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإِيمان لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم. {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين} فلا تلين شكيمتهم بالآيات والنذر. {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم} لأكثر الناس، والآية اعتراض أو لأكثر الأمم المذكورين. {مِّنْ عَهْدٍ} من وفاء عهد، فإن أكثرهم نقضوا ما عهد الله إليهم في الإِيمان والتقوى بإنزال الآيات ونصب الحجج، أو ما عاهدوا إليه حين كانوا في ضرر مخافة مثل {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} {وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ} أي علمناهم. {لفاسقين} من وجدت زيدًا إذا لحافظ لدخول أن المخففة واللام الفارقة، وذلك لا يسوغ إلا في المبتدأ والخبر والأفعال الداخلة عليهما، وعند الكوفيين إن للنفي واللام بمعنى إلا. اهـ.